نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين تتكلم المدينة... هل نحسن الاستماع؟, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 05:19 صباحاً
في كل زاوية من المدينة، هناك قصة تُروى. أزقة ضيقة تهمس بتاريخ حيّ، إشارات مرور تتحدث بلغة السلوك، أرصفة مهجورة تروي صمتا عن مواطنين فقدوا شغف المشي، وحدائق بلا زوار تبث استغاثة خفية. المدن، حين نحسن الإصغاء إليها، ليست مجرد كتل خرسانية أو إشارات الكترونية... بل كائنات حية تنبض بالمعاني والدروس.
لعل السؤال الأهم في بدايات التفكير بالمدن الذكية ليس «ما التقنية التي سنستخدمها؟»، بل «ما الألم الذي سنعالجه؟ وما الأمل الذي سنبنيه؟».
الذكاء الحضري الحقيقي يبدأ من حُسن الإنصات للإنسان، قبل تثبيت أجهزة الاستشعار، وقبل رسم خرائط البيانات. يبدأ من التساؤل البسيط: هل يشعر المواطن بأنه يُرى؟ يُسمع؟ يُفهم؟
لقد أخطأ كثيرون حين جعلوا المدن الذكية مجرد سوق لتكنولوجيا الشركات. فاستُبدل الإنسان بالمجسّات، والصوت المجتمعي بقراءات الذكاء الاصطناعي. لكن المدينة لا تُبنى بخوارزميات فقط، بل بحوار حيّ بين من يسكنها ومن يصممها. بين المواطن والمخطط والتقني والمستثمر وصانع القرار.
في إحدى التجارب الملهمة في مدينة كوبنهاغن، لم تكن البداية في تركيب آلاف الحساسات، بل في تنظيم جلسات حوار مجتمعي مفتوح مع السكان، لسؤالهم: كيف ترون مدينتكم بعد عشر سنوات؟
النتيجة؟ مشروع ذكي مخصص لكبار السن يربط الأحياء بخدمة «نقل عند الطلب»، نابع من احتياج إنساني لا من عرض تقني.
نحن بحاجة إلى هذه العقلية: المدن الذكية تبدأ من الحلم الإنساني، لا من كتالوجات الموردين.
وفي السعودية، حيث تصنع رؤية 2030 تحولا حضريا غير مسبوق، نحتاج في كل مدينة وقرية أن نصوغ ذكاءها من داخلها، من نبض أحيائها، من تفاعل مدارسها، من قصص شبابها وشيوخها، وليس فقط من لوحات التحكم المركزية.
مدينة نيوم - على سبيل المثال - لا تُبنى فقط كتقنية، بل كفكرة مستقبلية تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان والبيئة والتقنية.
فهل سألنا مدننا: ماذا تحتاجين لتكوني أذكى؟
وهل سألنا أنفسنا: هل نمنح المدينة فرصة لتتكلم؟ وهل نملك الشجاعة لنعيد تصميمها بناء على ما تقول؟
الذكاء الحضري ليس في عدد المستشعرات، بل في حكمة القرار، وعدالة الوصول، وجمال التجربة.
هو في مدينة تعيش معك، لا عليك. تفهمك، لا تراقبك فقط. تمنحك الأمان دون أن تسلبك الخصوصية.
مدينة لا تفرض الحلول، بل تنمو معك، وتكبر بك، وتصمم حولك.
أيها المسؤول، أيها القارئ، لا تبدأ مشروعك الذكي بسؤال «أي نظام نشتري؟»
بل ابدأ بسؤال «من هو الإنسان الذي نريد خدمته؟ وما الحياة التي نريدها له؟»
حين تُحسن الإصغاء للمدينة، ستدهشك بما تريد قوله... وستقودك نحو مستقبل لا تُبنى فيه المدن فحسب، بل تُبنى فيه القيمة والكرامة والانتماء.
0 تعليق