الخوف من اتخاذ القرار: متى يصبح القائد عبئا؟

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الخوف من اتخاذ القرار: متى يصبح القائد عبئا؟, اليوم الخميس 31 يوليو 2025 01:19 مساءً

‏في عالم الإدارة، كثيرا ما نربط القيادة بالحكمة والحنكة وبعد النظر. لكننا كثيرا ما نغفل جانبا حرجا قد يُسقط أقوى القيادات: الخوف من اتخاذ القرار.

هذا الخوف، حين يتسلل بصمت، لا يبدو مقلقا في البداية، وقد يُفسَّر على أنه حذر أو تأّنٍ. لكن مع الوقت، يتحول إلى شلل إداري، ويصبح القائد - من حيث لا يدري - عبئا على فريقه ومنظمته.

هل الخوف من القرار أمر طبيعي؟ نعم، التردد في بعض المواقف أمر إنساني. القادة كغيرهم، يخشون الوقوع في الخطأ، ويحسبون حساب النتائج. لكن الخطر يكمن حين يصبح هذا التردد هو القاعدة، وليس الاستثناء. حين يتكرر السؤال: "وماذا لو فشلنا؟"، ويغيب السؤال الأهم: "وماذا لو نجحنا؟"

في هذه الحالة، لا يتوقف القائد عن التفكير فقط، بل يمنع فريقه من التقدم. تتوقف المشاريع، وتتأجل المبادرات، ويضيع الوقت في الاجتماعات بدلا من الإنجاز.

ما الذي يخشاه القائد المتردد؟ الخوف من اتخاذ القرار لا يأتي من فراغ، بل قد يرتبط بعدة عوامل، منها: الخوف من الخطأ أو فقدان المنصب، قلة الخبرة أو ضعف الثقة بالنفس، غياب الدعم المؤسسي في حال الفشل، ثقافة عمل لا تحتمل التجريب، وتقدّس "السلامة" على حساب التطوير، كما أن كلما صعد القائد درجات السلم، قلَّ الذين يجرؤون على إبداء الرأي الصادق؛ فيجد نفسه وحيدا في مواجهة اختيارات مصيرية، فيرجئ الخطوة الأولى حتى تضيع اللحظة المناسبة. هذه المخاوف مشروعة، لكنها لا تبرر الاستسلام لها. فالقيادة الحقيقية لا تعني غياب الخوف، بل القدرة على تجاوزه.

وعندما يتكرر التردد، يبدأ الفريق بفقدان الحماسة، ويحدث الاحتراق غير المعلن فالموظفون يرهقهم الدوران في حلقة لا تنتهي من العروض والشرائح بلا تطبيق، فيتسلل الإحباط وتتناقص الدافعية.

فيشعر الموظفون أن لا أحد يقودهم بوضوح، فيبدأ التشتت، وتضعف روح المبادرة، وقد تنشأ بيئة من القلق والارتباك. الأسوأ من ذلك، أن الموظفين قد يبدؤون في تقليد هذا النمط، فتتجذر ثقافة التردد وتضيع روح الإنجاز.

القائد ليس فقط من يملك المهارة الإدارية، بل من يتحلى بالثبات النفسي. الشجاعة في اتخاذ القرار لا تعني التسرع، بل القدرة على الموازنة بين المشورة والحسم، وبين التقييم والتنفيذ، والقرار لا يعني الكمال، بل الفعل بعد دراسة كافية. في تجربتي في العمل مع القيادات، كثيرا ما كان العامل النفسي هو الفيصل بين قائد يُحرك مؤسسته وقائد يُعيقها. فالإرهاق النفسي، والضغط المستمر، والتردد المزمن، جميعها عوامل تجعل من اتخاذ القرار عبئا داخليا قبل أن يصبح أزمة إدارية.

ولعلي أشارك هنا بعض الأفكار العملية قد تساعد القادة على كسر دائرة الخوف:

  1. قاعدة 70 / 30، إذا توافرت لديك معلومات موثوقة بنسبة 70%، فاتخذ القرار وتعلم من التنفيذ. الـ30% المتبقية لا تكتمل إلا بالتجربة الميدانية.
  2. دوائر تحقق مصغرة، قسّم القرار الكبير إلى حزم صغيرة تُختبر سريعا. الإنجاز الجزئي يقلل حجم المخاطرة النفسية، ويرفع ثقة الفريق.
  3. إفصاح نفسي واعٍ، اعترف رسميا بأن الخوف موجود - لدى القائد والفريق - واجعل مناقشته جزءا من ثقافة الاجتماع بدلا من دفنه في الكواليس.
  4. شبكة دعم شخصي، القائد ليس آلة لا تخطئ، وجود مرشد مهني أو مستشار نفسي يساعد على تفكيك المشاعر السلبية قبل أن تتحول إلى شلل تنظيمي.
قيادة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - تمثل نموذجا ملهما في هذا السياق. فقد قدم لنا رؤية قيادية تقوم على الحسم، والوضوح، وتحمل المسؤولية، دون أن يخشى التجديد أو يتردد أمام التغيير.

هذه الشجاعة القيادية لم تثمر تحولات اقتصادية وإدارية فقط، بل أعادت تعريف مفهوم "القائد" في الوعي الجمعي السعودي.

ختاما، عندما يرى الفريق قائده يُقدم ولا يتردد، يرث منه الجرأة ذاتها. وحين يدرك الجميع أن التعلم من خطأ صغير خير من شلل كبير، تتحول الثقافة المؤسسية من خوف خفي إلى شجاعة مسؤولة ملموسة. فالقيادة ليست تجنب الأخطاء، بل امتلاك الشجاعة لتصحيحها حين تقع وتحمل المسؤولية عنها.

0 تعليق