نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أمام زحف الذكاء الاصطناعي: هل تبقى أرزاقنا في أمان؟, اليوم الاثنين 30 يونيو 2025 12:07 صباحاً
في السنوات الأخيرة، لم يعد الحديث عن «الذكاء الاصطناعي» مقتصرا على المؤتمرات أو المقالات العلمية. أصبح جزءا حيا من تفاصيل عملنا اليومي. شخصيا، أجد نفسي أطرح سؤالا لم يعد هامشيا كما كان: هل يمكن أن يأتي يوم يتجاوز فيه الذكاء الاصطناعي دورنا، بل وربما يحل محلنا؟
أستطيع أن ألاحظ بنفسي تغيرا ملموسا في بعض الوظائف، خاصة تلك المتكررة أو الإدارية. بعض المهام التي كانت توكل إلى موظف يجلس لساعات خلف مكتب، كإدخال البيانات أو الرد على الاستفسارات، أصبحت تنفذها برمجيات بمرونة وسرعة، وأحيانا بدقة تفوق البشر. حتى في بعض التخصصات، مثل الترجمة والمحاسبة، بدأت هذه الأدوات تقتحم المجال بقوة، وتُعيد ترتيب المشهد.
في القطاع الصحي، وهو الميدان الأقرب إليّ، شهدتُ بنفسي كيف تغيرت الممارسات. حضرتُ ملتقى الصحة العالمي 2024 بالرياض، ولا تزال تجربة تحويل محادثة الطبيب مع المريض إلى ملاحظات مكتوبة تلقائيا عالقة في ذهني. لم تكن مجرد استعراض تقني، بل خطوة عملية خففت من عبء التوثيق، وفتحت للطبيب وقتا أوسع للتفاعل مع المريض.
لكن الصورة ليست سوداوية! في المقابل، نشأت وظائف جديدة لم تكن مألوفة من قبل، مثل مهندسي الذكاء الاصطناعي، أو المتخصصين في أخلاقيات التقنية وحوكمة البيانات. حتى في الصحة، بدأنا نرى من يعمل كأخصائي بيانات سريرية، أو مسؤول عن دمج أنظمة ذكية ضمن بنية نظم المعلومات الصحية. لستُ ممن يرى أن التقنية تلغي الإنسان، لكنها بالتأكيد تدفعنا لإعادة التفكير في أدوارنا وطبيعة عملنا.
ولعل السؤال الأدق ليس: هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟ بل: كيف ستتغير وظائفنا؟ لنكن واقعيين، هل يمكن استبدال التفاعل البشري الحقيقي بخوارزمية؟ لا أعتقد، لا سيما تلك التي تعتمد على الإبداع، أو التفاعل الإنساني، أو الحكم الأخلاقي، أو القيادة. وهنا تبرز قيمة المهارات الإنسانية (soft skills) كالذكاء العاطفي، والتفكير النقدي، والقدرة على التكيف.
بدلا من التوجس، أرى أن علينا التهيؤ لهذا التغير بهدوء ووعي، لأن مقاومته قد تكون أصعب من مواكبته. الاستعداد لهذا التحول لا يعني تعلم أدوات جديدة فقط، بل تغيير طريقة تفكيرنا تجاه العمل. نحتاج إلى تبني عقلية التعلم المستمر، والقدرة على التجاوب مع المجهول.
من وجهة نظري، الذكاء الاصطناعي ليس خصما. بل هو أداة تمدنا بالقوة، متى ما استخدمناها بوعي. المستقبل لن يكون للأدوار الرتيبة، بل لمن يملك عقلا مرنا، وقلبا يقظا، وفضولا لا يهدأ.
وبصفتي أكاديميا وممارسا في القطاع الصحي، أرى أن الذكاء الاصطناعي سيغير كثيرا من الممارسات الطبية والإدارية، لكنه لن يُلغي دور الإنسان، بل سيُعيد صياغته من جديد. فالمشكلة ليست في سرعة تطور التقنية، بل في مدى قدرتنا نحن على التكيف، والحفاظ على ما يجعلنا بشرا في المقام الأول.
0 تعليق