تُعد السوق المالية ركيزة أساسية في بنية الاقتصاد الحديث، إذ تمثل البيئة التي تتلاقى فيها رؤوس الأموال مع الفرص الاستثمارية، وتتحقق فيها آليات التمويل وتنمية المدخرات، فضلا عن دورها المركزي في تعزيز الشفافية المالية وكفاءة توزيع الموارد. ويبرز دور الوسيط المالي كعنصر محوري في هذا النظام، إذ لا يتمكن المستثمر الفرد من دخول السوق مباشرة دون المرور بهذا الوسيط المرخص، الذي يتولى مهمة الربط بين المشتري والبائع وتسهيل تنفيذ العمليات، إضافة إلى تقديم المشورة وإدارة عمليات حفظ الأصول وتسويتها، علاوة على أهمية الدور الرقابي والتنظيمي الذي تفرضه الهيئات المالية المختصة.

ومن بين أبرز ميزات السوق المالية أنها تتسم بارتفاع المخاطر وسرعة التغير ومتطلبات الإلمام بالخبرة والمعرفة، ما يجعل من الاستعانة بخدمات الشركات المالية المتخصصة - سواء كانت شركات وساطة أو صناديق استثمارية أو شركات إدارة أصول - أمرا ضروريا للغالبية العظمى من المستثمرين، خاصة صغار المستثمرين الذين يستفيدون من فرص التنويع والإدارة المحترفة للمخاطر.

تاريخيا، لم يكن هناك فصل واضح بين دور البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية؛ حيث كانت المؤسسات المصرفية تقدم خدمات الإيداع والتمويل إلى جانب ترتيب وإدارة الاستثمار في الأوراق المالية. غير أن الأزمات المالية التي عصفت بالأسواق العالمية، ولا سيما أزمة 2008، فرضت نماذج جديدة من الفصل بين النشاطين لحماية أموال المودعين وتقليل المخاطر المنهجية. في السعودية، ألزمت الهيئة النظامية البنوك التجارية بإنشاء شركات مالية منفصلة لإدارة أنشطة الاستثمار، ما زاد من شفافية السوق وتمتين البيئة التنظيمية، إذ باتت هيئة السوق المالية الجهة الوحيدة المختصة بإصدار التراخيص وتنظيم عمل هذه الشركات والإشراف عليها، في حين بقي البنك المركزي مختصا بمتابعة أعمال البنوك التجارية.

ومن جهة أخرى، تتنوع الأدوات الاستثمارية في السوق المالية بين الأسهم والسندات والصكوك والصناديق الاستثمارية، وصولا إلى الأدوات الحديثة كالمشتقات المالية وصناديق المؤشرات وصناديق الاستثمار العقاري، ويُتاح للمستثمرين الدخول في هذه الأدوات من خلال برامج الطرح الأولي أو التداول الثانوي. ولكل أداة خصائصها من حيث المخاطر والعوائد والسيولة. وتتيح الصناديق الاستثمارية، على سبيل المثال، حلولا للمتعاملين الراغبين في الاستفادة من السوق دون تحمل عبء قرار الشراء والبيع مباشرة، حيث يتولى مدير الصندوق إدارة وتنويع الاستثمارات سعيا لتحقيق عوائد أفضل مع تقليل المخاطر، في مقابل رسوم وحوافز محددة. كما أن هناك تصنيفات للعملاء بحسب ملاءتهم المالية وخبرتهم، مما يضمن تقديم المنتجات الملائمة لمستوى العميل واحتياجاته ويحميه من المغامرات غير المحسوبة.

أخيرا، فإن السوق المالية السعودية سلكت مسارا واضحا لتطوير أدواتها ومنظومتها الرقابية، ولم تعد مجرد مكان لتبادل الأسهم بل أصبحت نظاما متكاملا يحكمه إطار تشريعي وتنظيمي متقدم، يوفر الشفافية والكفاءة ويحمي المستثمر من المخاطر والممارسات غير النزيهة، ويضمن استقرار القطاع المالي وازدهاره في المملكة.