نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الاستفزاز ورد الفعل في نظر القضاء, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 05:19 صباحاً
في أروقة المحاكم، كثيرا ما تُعرض قضايا تبدو للوهلة الأولى محسومة: ضرب، سبّ، تسجيل، بلاغ، لكن حين تُفكك تفاصيلها يظهر وجه آخر للخصومة؛ وجه تَحَسَّب له القانون دون أن يبرره.
تخيل هذا المشهد: رجل يقف أمامك، يرفع صوته، ويقول «إذا أنت رجال اضربني!»، فتهيج بداخلك نار الكرامة، وتلتهب فيك غريزة الرد، فتلكمه، ظنا منك أن الاستفزاز مبرر كافٍ. لكن الحقيقة القانونية تقول غير ذلك: لقد اعتديت. نعم، اعتديت رغم أنك لم تبدأ. لأن القانون لا يُبيح لك أن ترد الكلمة باليد، ولا أن تقابل الاستفزاز بالفعل، بل يطلب منك أن تمسك، ثم تشتكي (واضح لك) ولا أزيد؟
مثال آخر نوضح أكثر، يقول لك أحدهم في مجلس «أنت ما أنت بكفو»، و»ما فيك خير»، و»محد حسب لك حساب». كلمات تهوي على كرامتك كما تهوي المطرقة على الطاولة، فتثور وترد بسبّ مباشر. هنا أيضا، يتجه بك الطريق نحو قاعة المحكمة، لا كضحية، بل كمتهم. لأن القضاء السعودي - كما في كثير من الأنظمة - لا يُجيز للإنسان أن يسترد كرامته بلسانه، إذا خرجت ألفاظه عن دائرة المباح إلى دائرة السب والقذف.
لكن، ماذا عن الطرف الآخر؟ أليس من تعمد استفزازك واستدراجك للخطأ شريكا في الإثم؟ أليس له دور فيما حدث؟
الجواب: نعم، لكن ليس كما تظن.
ففي المبدأ القضائي، يؤخذ بسوء نية الطرف المستدرج كقرينة على التلاعب بالخصومة أو محاولة الاحتيال في الشكوى. القاضي قد يوجه له لوما تعزيريا، أو يخفف عنك العقوبة، إذا ثبت أن ما قمت به كان رد فعل لحظيا لا يتناسب مع الإهانة الأصلية. لكنه - رغم ذلك - لا يُسقط عنك المسؤولية (لا تستعجل.!) نعود إلى قناعة القاضي إذا نظر أسلوبه في مجلس القضاء - والقضاة لديهم مراس وفراسة - يوحي له أنه (خِِب) فإنه يعزره ردعا وكف أذاه عن الناس.
القضاء يعترف أن الإنسان ليس آلة، وأن للكرامة حدودا إذا انتُهكت انفجرت، لكنه في الوقت نفسه لا يُفلت العنان للناس في الرد، لأن العدالة إن تركت لكل صاحب غضب طريقا، صار مجلس القضاء ميدانا لتصفية الانفعالات، لا ميزانا للعقل.
الحل؟ أن تُمسك، أن توثّق، أن تدع من يستدرجك يصور نفسه، لا أنت، وأن تُحيل حماسك إلى شكوى، لا إلى شتيمة أو عراك.
في النهاية: ميزان العدالة لا يحكم بما شعرت، بل بما فعلت، ولا بما قاله الآخر، بل بما أثبته ضدك.
ولذا، حين يقول لك أحدهم «إذا فيك خير اضربني»، قل له «فيّ خير كثير... بس القانون عنده أكثر». (فهمت يا ذيبان).
expert_55@
0 تعليق