القدرات والتحصيلي، عبء إضافي وظلم ممنهج

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القدرات والتحصيلي، عبء إضافي وظلم ممنهج, اليوم الأربعاء 6 أغسطس 2025 12:19 صباحاً


في ظل نظام التعليم في المملكة العربية السعودية، يواجه الطالب مرحلة حرجة بعد الثانوية العامة تتمثل في اختبارات القياس (القدرات والتحصيلي)، وهي اختبارات مركزية تفرضها هيئة تقويم التعليم والتدريب كشرط أساسي للقبول الجامعي. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على تطبيقها، فإن الجدل حول عدالتها ومنطقيتها وفعاليتها لا يزال حاضرا بقوة في الأوساط التعليمية والاجتماعية.

يفترض أن تكون الثانوية العامة هي المقياس الطبيعي لقدرات الطالب، فهي خلاصة 12 عاما من الدراسة والتقييم المستمر، لكن نظام القبول في الجامعات الحكومية يتجاهل هذه السنوات، ويركز على «اختبارين» فقط يحددان مصير الطالب خلال ساعات محدودة: اختبار القدرات: لقياس القدرة على الفهم والاستيعاب. واختبار التحصيلي: لقياس ما تم تعلمه في المواد العلمية.

هذا النظام يحول التعليم إلى رهان محفوف بالمخاطر، حيث يمكن أن يقصى الطالب من رغبته الجامعية بسبب درجة واحدة في اختبار ظرفي.

المشكلة الأكبر تكمن في أن هذه الاختبارات لا تراعي الفروق الفردية في أنماط التعلم، ولا تأخذ بعين الاعتبار الضغوط النفسية التي قد يتعرض لها الطالب في يوم الامتحان، وتعتمد على أسلوب اختيارات متعددة جامدة، لا تسمح بإظهار التفكير النقدي أو الإبداعي، كما تمثل عبئا ماديا على الأسر، إذ يحتاج الطالب غالبا إلى دورات تدريبية مدفوعة ليحصل على درجة مرتفعة.

فهل من العدل أن يختزل مصير طالب متفوق في المدرسة إلى نتائج اختبار واحد؟

إن اختبارات القدرات تزعم أنها تقيس «القدرة العقلية»، لكنها في الواقع تقيس سرعة الحل تحت الضغط، والمعرفة بأساليب الأسئلة، وقدرة الطالب على التمرس على نمط الاختبار، لا على التفكير العميق.

والأدهى من ذلك أن كثيرا من الطلاب يحصلون على درجات عالية فقط بعد التدريب المكثف على الأسئلة المتكررة، مما يفرغ الاختبار من مضمونه ويظهر أنه لا يقيس «القدرة» بل «التمرين».

لا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي لهذه الاختبارات، فالطالب يضطر لدفع مبالغ مالية في كل محاولة. ثم إن هناك دورات تجارية باهظة تهدف فقط لتحسين الدرجة، مما يعني أن الطالب القادر ماديا يملك فرصة أفضل لتحسين درجته من غيره، وهذا يكرس الظلم الطبقي داخل نظام القبول.

قد يبرر البعض وجود هذه الاختبارات بكونها أداة لفلترة الأعداد الكبيرة من الخريجين، أو أنها تقيس مهارات غير أكاديمية، لكن الواقع يثبت أن كثيرا من الدول ذات النظم الجامعية المتقدمة (مثل فنلندا وكندا) لا تعتمد مثل هذه الاختبارات المركزية. الطلاب الذين حصلوا على درجات عالية في القدرات ليسوا دائما الأفضل أداء في الجامعات. كما أن التجربة أثبتت أن المعدل التراكمي في المدرسة يبقى هو الأصدق تعبيرا عن مستوى الطالب الفعلي.

من الضروري أن تعيد وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم والتدريب النظر في نظام اختبارات القدرات والتحصيلي، أو على الأقل تخفيف وزنها في مفاضلة القبول، وجعلها اختيارية لبعض التخصصات. أو استبدالها بمقابلات شخصية، ملفات إنجاز، أو مشاريع تعكس كفاءة الطالب الحقيقية.

مستقبل الطالب الجامعي يجب ألا يختزل في اختبارين فقط، بل يجب أن يبنى على سنوات من الجهد، الشغف، والتطور الأكاديمي الحقيقي.

MBNwaiser@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق