نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تحذير متشائم من "إيكونوميست": لا إعمار لغزة في الأفق والمؤقت قد يصبح دائماً, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 04:30 مساءً
وصفت مجلة "إيكونوميست" اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بأنه "زومبي"، أي جثة هامدة تحتاج إلى معجزة لإحيائها، معتبرة أن أي خطة لإعادة الإعمار سواء عربية أو أمريكية تبدو غير قابلة للتنفيذ، خصوصًا في ظل رفض حركة "حماس" نزع سلاحها، وهو الشرط الأساسي لأي جهود إعادة البناء.
وقالت المجلة في تقرير مفصل إن المؤقت في الشرق الأوسط غالبًا ما يتحول إلى دائم، مستشهدة باحتلال إسرائيل للضفة الغربية المستمر منذ خمسين عامًا، فيما كان من المفترض أن تستمر السلطة الوطنية الفلسطينية لخمس سنوات انتقالية، لكنها استمرت ثلاثين عامًا، وهو ما يعكس نمطًا متكررًا في المنطقة، حيث تتحول المبادرات المؤقتة إلى واقع دائم. بعد شهر من وقف إطلاق النار، يعيش سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، واقعًا مأساويًا مع عدم وجود أي خطوات فعالة لإعادة إعمار القطاع، ما يتركهم في حالة من اليأس المستمر.
وأشار التقرير إلى أن الحرب التي استمرت على مدى عامين سببت دمارًا هائلًا في القطاع، وأن أي محاولات لإعادة الإعمار لم تُنفذ بشكل جدي. وقد توصلت الدول العربية إلى خطة لإعادة الإعمار، لكنها لن تبدأ على الأرجح إلا إذا وافقت حركة "حماس" على نزع سلاحها، وهو مطلب ترفضه الحركة بشدة. نتيجة لذلك، بدأ المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون مناقشة خطط بديلة تشمل إعادة البناء في الجانب الآخر من "الخط الأصفر"، وهو الخط الفاصل بين المناطق التي تسيطر عليها "حماس" وتلك التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. لكن هذه المناطق خالية من الفلسطينيين، وتعترض الدول العربية على إعادة الإعمار فيها.
ويحتاج سكان غزة بشكل عاجل إلى المساكن والخدمات الأساسية، إلا أنه لا توجد خطة واضحة لتوفير هذه الاحتياجات. فالأوضاع كارثية، إذ قدرت الأمم المتحدة في آب/أغسطس الماضي أن أكثر من 320,000 منزل دُمّر أو تضرر نتيجة الحرب، وهو ما يمثل نحو 60% من سكان القطاع بلا مساكن. كما أن الحصول على خيام يمثل تحديًا كبيرًا، حيث سمح بدخول أقل من 20,000 خيمة منذ بدء وقف إطلاق النار، وهو رقم بعيد جدًا عن تلبية الاحتياجات الأساسية.
وليس السكن وحده المشكلة، فحوالي 85% من المؤسسات التجارية في غزة دُمّرت بالكامل، بينما تضررت ما يقرب من 90% من الأراضي الزراعية والآبار الزراعية، مع وقوع ثلثي الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. كما قُصفت حوالي 77% من الطرق أو دُمّرت بواسطة الدبابات الإسرائيلية، ما أدى إلى تعطيل الحركة والبنية التحتية بشكل شبه كامل.
ورأت المجلة أن العديد من الاقتراحات لإعادة الإعمار غير واقعية، بدءًا من فكرة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لبناء منتجعات سياحية في غزة بعد تهجير سكانها، وصولًا إلى مقترحات رجال أعمال إسرائيليين لإنشاء مصانع لإنتاج سيارات تسلا ومراكز بيانات للذكاء الاصطناعي، في وقت لا تزال فيه "حماس" ترفض نزع سلاحها، وهو الشرط الأساسي لإنجاح أي خطة.
وقد قدمت السلطة الفلسطينية برنامجها الخاص لإعادة الإعمار، كما أعد المسؤولون المحليون في غزة خططًا بديلة. لكن الخطة التي تحظى بأوسع دعم حتى الآن هي المبادرة المصرية، التي أقرتها الدول العربية في آذار/مارس. وتستهدف إعادة الإعمار على مراحل، تبدأ بإزالة نحو 60 مليون طن من الأنقاض المتراكمة في القطاع. ويمكن إعادة استخدام جزء من هذه الأنقاض، كما حدث بعد حرب عام 2014 بين إسرائيل و"حماس"، حين استخدم المقاولون حطام المباني المدمرة لإعادة رصف الطريق الساحلي الرئيسي. وتأمل مصر في خلط الأنقاض بالرمل لاستخدامها في استصلاح الأراضي قبالة الساحل، والتي يمكن أن تستضيف ميناء وبنية تحتية أخرى.
المرحلة الثانية من الخطة ستستمر أربع سنوات ونصف، وتركز على إعادة الإعمار الفعلي للقطاع. وبالنظر إلى ارتفاع معدلات البطالة، يمكن أن تعتمد الخطة على قوة عاملة كافية من الفلسطينيين، مع توفير مصر للمواد الخام والخبرة، على أن يتم الاستعانة بمهندسين ومطورين من دول الخليج. ومع ذلك، يرى الخبراء أن الجدول الزمني المعلن غير واقعي، إذ يتوقعون أن إزالة الأنقاض ستستغرق ما يقرب من ست سنوات، بدلًا من ستة أشهر كما هو مخطط. كما يجب أن تمر المواد عبر معبر رفح الذي تتحكم إسرائيل في فتحه، ما يضيف تعقيدات إضافية.
وتعتبر الأموال العقبة الأكبر أمام إعادة الإعمار. فتكلفة الخطة المصرية تقدر بـ 53 مليار دولار، فيما تضع الأمم المتحدة الرقم عند 70 مليار دولار. والمانحون لا يرغبون في تحمل هذه التكاليف إلا بعد التأكد من انتهاء الحرب فعليًا ونزع سلاح "حماس"، وهو ما يتطلب قوة حفظ سلام دولية وفق ما نص عليه وقف إطلاق النار. وقد دعا ترامب مجلس الأمن الدولي إلى منح هذه القوة تفويضًا لمدة عامين، لكن لا أحد في العالم العربي أبدى رغبة في المشاركة، بما في ذلك الإمارات والسعودية والأردن، في حين لم تعلن دول أخرى عن التزامها بعد.
في ظل هذا الواقع، بدأ التفكير بخطط بديلة. فبدلًا من إعادة بناء مدن غزة القريبة من الساحل، يقترح بعض المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين إعادة الإعمار في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بالقرب من رفح جنوب القطاع، حيث يمكن بناء سلسلة من البلدات النموذجية التي تستوعب آلاف الفلسطينيين، وتضم عيادات ومدارس وخدمات أساسية. لكن هذه الفكرة تواجه تحديات كبيرة، إذ يعيش في المنطقة عدد قليل جدًا من الفلسطينيين، أغلبهم من الميليشيات الموالية لإسرائيل، كما أن أي سكان يُقنعون بالانتقال يجب أن يخضعوا لفحوصات أمنية، مع غموض بشأن حرية تنقلهم أو السماح لهم بالعودة إلى مناطقهم السابقة.
وتخشى الدول العربية أن يتحول "الخط الأصفر" إلى واقع دائم، فيما أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن بلاده لا تريد "غزة متشرذمة"، كما يرفض المسؤولون المصريون تهجير سكان القطاع نحو رفح خشية انتقالهم إلى الأراضي المصرية، وهو ما تم تهديد السكان به خلال الحرب.
حتى المحاولات الأمريكية لجذب دعم مالي من دول خليجية باءت بالفشل، فيما من المرجح أن يتركز التركيز على تقديم الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية، دون إعادة إعمار حقيقية.
وفي الوقت الحالي، من المرجح أن ينصب التركيز على تقديم الحد الأدنى من المساعدات. يقول دبلوماسي غربي: "ستكون إعادة تأهيل، وليس إعادة إعمار".
ففي أغسطس، أنجزت الإمارات برنامجًا لتزويد جنوب غزة بـ 8 ملايين لتر من المياه المحلاة يوميًا، فيما نقلت خطوط المياه عبر الحدود من مصر. كما تروج "مؤسسة غزة الإنسانية" وهي منظمة غامضة أدارت برنامجًا كارثيًا لتوزيع الغذاء في وقت سابق من هذا العام، لخطة إنشاء 16 مركزًا للإغاثة على طول الخط الأصفر، لكن أي خطة طموحة لإعادة الإعمار تبقى رهينة موافقة "حماس" على نزع سلاحها.
ويخلص تقرير "إيكونوميست" إلى أن الوضع في غزة محاط بالتحديات، بين أزمة السكن والخدمات الأساسية والدمار الكبير، وبين الضغوط السياسية الدولية، ما يجعل أي جهود لإعادة الإعمار الواقعي محفوفة بالصعوبات، ويحتمل أن تتحول الخطط المؤقتة إلى واقع دائم يزيد من معاناة السكان في القطاع.

















0 تعليق