نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأدب الكلاسيكي: نصوص تعانق الخلود, اليوم الاثنين 22 سبتمبر 2025 05:17 صباحاً
الكلاسيكية ليست مجرد لفظ يطلق على القديم، بل هي صفة الخلود حين يتجلى في النص. إنها الأعمال التي تقف في وجه الزمن، لا تشيخ ولا تبهت، لأنها تخاطب الإنسان في أعمق جوهره. لهذا نقرأ الإلياذة والأوديسة لهوميروس فنرى فيها رحلة الإنسان الأبدية في مواجهة المجهول، ونقرأ هاملت لشكسبير فنسمع حوارا أبديا بين العقل والروح، ونقرأ شعر المتنبي فنلمح كبرياء الإنسان الذي يأبى الفناء.
حين تتجلى السمات
يمتاز الأدب الكلاسيكي بقدرته على الجمع بين قوة العقل ودفء العاطفة، فلا يطغى منطق على شعور، ولا يغرق شعور في انفعال. وهو أدب مشغول بالقضايا الكبرى: الحب، الموت، القدر، البطولة، والبحث عن معنى الوجود. لغته رفيعة سامية، تتألق في جمالها كما تتماسك في بنائها، وتبقى نصوصه حية متجددة مع كل قراءة، كأنها تنبعث من جديد كلما لامست عينا أو قلبا.
نلمح هذه الملامح في مآسي سوفوكليس التي تجعل البطل الإغريقي واقفا بين سطوة القدر وإرادة الاختيار، كما نلمسها في معلقات العرب التي جمعت بين الفخر والحكمة والرثاء والحب، فجعلت من الشعر مرآة للوجود الإنساني في صحراء لا تعرف السكون.
مرايا الحضارات
في الشرق كما في الغرب، ظلت الكلاسيكيات أعمدة للحضارات. ففي الأدب العربي، خلد امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى صور الصحراء والبطولة، وجعل الجاحظ من البيان أداة لالتقاط دقائق الحياة، فيما خط ابن خلدون مقدمته كصرح فكري لا يزول. وفي الأدب الفارسي، نسج سعدي الشيرازي وحافظ أبياتا عابرة للأزمنة، تمزج بين العاطفة والحكمة. أما ألف ليلة وليلة، فقد فتحت بابا على الخيال الكوني، وجعلت من الحكاية العربية جسرا بين الشرق والغرب.
سر البقاء
الكلاسيكيات باقية لأنها لم تكتب لعصرها وحده، بل كتبت للإنسان في كل عصر. حين نقرأها نشعر أننا لسنا غرباء عن أولئك الذين عاشوا قبل آلاف السنين؛ نشاركهم الخوف من المصير، والبحث عن الحب، والرغبة في الخلود. إنها تجعلنا نرى أنفسنا في مرايا التاريخ، متغيرين في تفاصيلنا، ثابتين في جوهرنا.
كلمة الختام
الأدب الكلاسيكي ليس مجرد ماض محفوظ في الكتب، بل هو مدرسة مفتوحة للحياة، ينهل منها كل قارئ ما يعمق رؤيته للجمال والمعنى. ومن يقبل عليه، يخرج منه أكثر وعيا بالزمن، وأكثر يقينا بأن الكلمة حين تصاغ بصدق وعمق، تستطيع أن تعانق الخلود.
0 تعليق