المهايطون في بورصة (مشاهير الفلس)

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المهايطون في بورصة (مشاهير الفلس), اليوم الاثنين 22 سبتمبر 2025 05:17 صباحاً

مع تزايد حضور أعلام سفهاء الإعلام الجديد، يتزايد مستوى الهياط الاجتماعي بين الناس، ويصبح الهياط فرض عين على بعض الأغنياء وأضدادهم، الذين يتفننون في توثيق هياطهم الاجتماعي، وخاصة وجبات التسمين التي يُختص بها الأغنياء دون الفقراء.

نعم هذه ظاهرة بدأت تتجلى وتزدهر في مجتمعاتنا، وخاصة في الطبقات المتوسطة وما يليها من طبقات صغرى، ترى في الهياط بعدا حضوريا لازما ولازبا لكمال الشخصية والتميز بين الناس.

والمهايطون أنواع، فمنهم المهايطي الفارغ، الذي لا يملك شيئا لا على مستوى المادة ولا على مستوى الثقافة والعلم، هذا النوع في الدرك الأسفل من الهياط، كونه يوفر تظاهرات ومظاهر هياطه من الديون التي يقوم بجمعها من هنا وهناك، ثم يقوم بتدويرها في رحلة عشاء أو غداء فاخرة لأشخاص سيجعلونه ومناسبته الترند الاجتماعي في تلك الناحية القصية، وللوصول إلى الترند يجب على هذا المهايطي الذي يعيش الإفلاس بأنواعه، أن يوثق هذه المناسبة من خلال بعض السنابيين الذين يعيشون اليوم في ظل هذا المفهوم؛ ثورة حضورية غير مسبوقة، فيتم توثيق المأساة من الألف إلى الياء، وخاصة وقفات (كحيلان المفلس) ونظراته ونبراته وعبراته إن لزم الأمر، يمارس الضيوف دجلهم المعتاد ويرفعون من معنويات هذا الغبي من خلال ترديد شعارات في غير مكانها، كقولهم، تعبت الأمهات أن يجبن مثلك، ويا حاتم الطائي، وبيض الله وجهك، كل تلك العبارات تساق لهذا لمفلس وتصب عليه صبا حتى يصل إلى سكرة الهياط الخالصة والتي حتما سيتبعها الأقساط (والديّانة) الذين يريدون أموالهم، والمفارقة أن يكون أحد هؤلاء الديّانة قد شارك الجمع هذه المناسبة متحسرا في نفسه؛ (راحت فلوسك يا صابر).

بعد مشاهد الهياط تلك والتعب الذي نالته أسرة ذلك المهايطي المفلس، يبدأ صاحبنا في البحث عن قروض من أشخاص محددين، ليستر عجزه المالي الحالي، وليستمر في تقديم تلك المشاهد كلما سنحت له الفرصة، كل ذلك على حساب راحته واستقرار أسرته، ودخلها المنعدم الذي أصبح يوجه لتلك التظاهرات الهياطية، التي تزيد من عجزه المالي والأسري، وتحيل هذا المهايطي إلى (طرار) يبحث عن مستلزمات حياته وحياة أسرته من الآخرين.

ثم يأتي هياط متوسطي الدخل والحضور الاجتماعي، وهذا النوع من المهايطين يمارس الأدوار نفسها التي يمارسها المهايطي المفلس، إلا أن لهذا المهايطي ملاءة مالية أفضل وحضورا اجتماعيا أكثر، لكنه وسابقه يشتركان في حبهما للتفرد بالتصوير ومحاولة الإتيان بما لم تستطعه أوائل المهايطين عبر الأزمان.

هذا المهايطي المتوسط دخلا والوسيط مكانة في مجتمعه، يتمتع بلياقة مالية أفضل، وكلامية أفصح، كونه متعالما - وليس متعلما - إلى الحد الذي يجعل عقله يصنف من العقول الوازعة، على رأي العقاد في تقسيمه للعقول البشرية في بعض كتاباته، ولكنه في الوقت نفسه عقل غير وازن للأمور؛ يراها فقط من منظار السبق الإعلامي والقدرة على الرسوخ في عقول الناس كأحد إصدارات الكرم الجديد، تبعا لهذا الإعلام القميء الذي أعاد قولبة بعض المبادئ والقيم ومن ضمنها الكرم كمبدأ وقيمة.

أما آخر أنواع المهايطين - وهم الأقل - فهو ذاك الغني الذي تسبق شهرته المالية الآفاق، كرأس فارغ من كل شيء إلا من الأموال، التي تتيح له إذا قال فعل وإذا تكلم صُدق وإن لم يكن صادقا، هذا المهايطي كامل الدسم يخرج بين الفينة والأخرى، مستضيفا رمزا ثقافيا أو فكريا أو شخصية نخبوية، ثم يحشد كتائب المرتزقة من المصورين والسنابيين الذين يتعاهدون الحفل توثيقا وتصويرا ومنتاجا وإنتاجا، ليخرج في أبهى حلل الهياط الاجتماعي، يضفي هذا الغني وأصوله الثابتة والمتحركة أبعادا هياطية جديدة تفوق كل صور الهياط المعروفة، كل ذلك من أجل إثبات حضوره في أجندات المجتمع، وترسيخ وجوده كشخصية مؤثرة عجيبة وغريبة!

كل هذه الأنواع من الهياط وأصحابها يمارسون عبثا بالنعم وعدم مراعاة لشعور المحتاجين الذين يكدحون ويتعبون في سبيل تأمين متطلبات حياتهم الأساسية وما يتفرع من هذه المتطلبات من جماليات وكماليات، وهذا العبث يوثق ويبقى مرآة تعكس عند الآخرين في الخارج حال المجتمع، وفي الحقيقة هذه الصورة مخاتلة فلا تمثل إلا أصحابها الذين يسيئون للمجتمع في الداخل والخارج بهذه التصرفات العبثية، التي ليس لها أصل سوى في عقول المتخلفين فكريا واجتماعيا.

إن ظاهرة الهياط ومع تعدد أشكالها لتستدعي وقفة صارمة من المفكرين والمثقفين وخطباء المساجد للتصدي لهذه الظاهرة وأربابها، فما المانع أن تفرض غرامات مالية محدد، أو ضريبة دخل منتظمة أو عشوائية على هؤلاء العابثين وخاصة القادرين منهم، الذين لا يراعون مشاعر البسطاء من الناس الذين يمثلون النسبة العظمى في أي مجتمع إنساني؟!

إن مشاهد المفطحات والجمال والسفر الغارفة في البذخ، لتستدعي من الجميع وقفة صارمة تعيد هؤلاء إلى جادة الصواب، وتنقذ مجتمعاتنا من الصورة الخاطئة التي أطرها هؤلاء المهايطون لهذا المجتمع، ورسخوا عند الآخرين أن مجتمعنا مجتمع بذخ وإسراف وتجاوز على النعم، وهذا غير صحيح، بدليل أن كثيرا من الوجهاء وأصحاب الأموال الذين ورثوا المال والجاه كابرا عن كابر، لا يمارسون هذا العبث ولا يعترفون به، بعكس حديثي النعم الذين ما زالوا يعيشون غلبة الفقر والحاجة القديمة في نفوسهم، التي أعياها مال اليوم كما كان يعييها فقر الأمس، وهذا ما يجعلهم يتجاوزون على النعم بصور مغلوطة لا يقبلها الدين ولا العقل ولا الأعراف والقيم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق