عناق طويق الرياض وهيمالايا باكستان

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عناق طويق الرياض وهيمالايا باكستان, اليوم الاثنين 22 سبتمبر 2025 05:17 صباحاً

التاريخ لا يحرف لا بالحبر ولا بالمال. صحافة قاسية، لا ترحم ملكا أو وزيرا أو غفيرا. الخطأ بعشرة أضعاف. والوفاء والإخلاص عملة نادرة في هذا الزمان. قلة قليلة تلتزم بالأخلاقيات والوعود.

هناك كثير من العلاقات الدولية يشوبها ما يشوبها من المراوغة والانقلابات، وربما البيع بأبخس الأثمان. باع جمال عبد الناصر العرب أجمعين، بشسع نعل كليب بفكرة الوحدة. اتضح أنه كان يكذب على الأمة بعد موته بعقود.

صدام حسين لم يكن بعيدا عنه، انقلب على الخليج في ليلة ظلماء، اقتحم دولة الكويت وكانت عينه على مصافي النفط على شواطئ الخليج العربي.

عمر البشير خان السودان والسودانيين. أخضع البلاد لحكمه بالحديد والنار. وقبل ذلك بمنهجية جماعة الإخوان المسلمين، من وراء ستار. فتح السودان لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. استعدى العالم المعتدل لا سيما العربي. وانتهى به الأمر خلف القضبان.

الاستشهاد في الشخصيات السابقة من باب تمحيص فكرة عدم الوفاء والإخلاص في العلاقات. ومن منطلق أن التاريخ لا يرحم. فقد أتاحهم ووضعهم في صفحاته السوداء، كشواهد على القبح.

وفي مقابل ذلك، لدينا ما يمكن أن يكون عكس أولئك الشخوص، بتجاربهم الخاصة. السعودية وباكستان على سبيل المثال تسير علاقتهما منذ سنوات على خط متوازٍ وبلا شوائب أو ضبابية. غرست شجرة علاقة البلدين قبل سبعة عقود، ولا تزال كما هي. لا بل إنها شكلت نموذجا في المصداقية والتآخي. وهذا الشكل من العلاقات بين الدول يأخذ طابعا استراتيجيا، ويراعي في أساس بنائه المصالح المشتركة لا الفردية.

والمملكة بالنسبة لباكستان دولة ليس كما غيرها. والعكس صحيح. يقول لي الحبيب والصديق علي عواض عسيري الذي أمضى سنوات سفيرا للرياض في إسلام أباد، خلال مكالمة هاتفية جمعتني به قبل أيام، بعد إبرام الاتفاقية الدفاعية الاستراتيجية المشتركة بين البلدين، أن الباكستانيين ينظرون للسعودية نظرة مقدسة؛ باعتبارها أرضا للحرمين. وهذا أحد أهم المكاسب الاستراتيجية التي حصلت عليها المملكة من قبل الشارع الباكستاني قبل حكومته.

أتصور أن الاتفاقية التي دخلتها الرياض وإسلام أباد قبل أيام، تفوق حدود البلدين، وتبطن أبعادا عميقة، تراعي مستقبل الأجيال القادمة. كيف؟ من خلال استهدافها إرساء الأمن والسلام في المنطقة. بمعنى أنها قد تنهي بعضا من أشكال التنافر المحموم في بقاع معينة، من هذا العالم الفسيح.

لقد حمل وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان في أبريل 2024، بعضا من الرؤى السعودية خلال زيارة قام بها لإسلام أباد. كانت الورقة التي حملها الأمير خالد تحاكي ما لا يفهمه إلا السعوديون والباكستانيون. راعت بكثير من المنطق الشراكة بين الرياض وإسلام أباد، ولم تغفل تطورات المنطقة والعالم، ووضعت تحقيق السلام والاستقرار هدفا ضمن أهم الأهداف.

والاتفاقية في مجمل الأمر ليست حالة عدائية لأحد، أو تستهدف أحدا، بقدر ما تراعي أهداف البلدين، وتعزز في الوقت نفسه التعاون العسكري القائم في أساسه بين المملكة وباكستان، كقطبين هامين في الإقليم؛ بالإضافة إلى أنها حق سيادي للدولتين، اللتين تحرصان على تأطير وتعميق العلاقة القائمة منذ عشرات السنين.

وتقدر إسلام أباد للرياض تدخلها لإخماد فتيل الأزمة الذي اشتعل بينها وبين جارتها النووية الهند قبل أشهر، وذلك انطلاقا من إدراك سعودي على أن أي حرب في المنطقة لن تخدم أي طرف، وأن الجميع سيكون خاسرا لا محالة، ناهيك عن أن باكستان دولة ذات غالبية مسلمة، ما يجعلها عمقا استراتيجيا ذا أهمية خاصة بالنسبة للمملكة والعالم الإسلامي برمته.

وتضمن الاتفاقية بند أن أي هجوم خارجي مسلح على أي من البلدين، يعد هجوما على كليهما، له تفسيرات عدة، أبرزها تعزيز مفهوم السلام في المنطقة والعالم، وليس من باب استعراض القوى أو البحث عن افتعال الأزمات، في عالم يعاني كثيرا من المخاطر والتحديات. ومن جانب آخر، فذلك البند يمنح البلدين غطاء استراتيجيا أمنيا ودفاعيا، بمثابة تحصين داخلي لهما، من أي خطر محدق يأتي من أي جهة في العالم.

وفي الوقت نفسه فإن اكتناز الاتفاقية في مضامينها، السعي لتطوير القدرات الدفاعية المشتركة، ورفع الجاهزية مع تكامل القدرات في التصدي لأي تهديد قد يطال أراضيهما، يعني أنها ليست صلبة، بل يمكن لها التعامل بمرونة مع أي ظرف تاريخي قد يحدث.

إن ما يعانيه العالم، وتحديدا منطقة الشرق الأوسط، من حروب ونزاعات، بحاجة إلى وجود أطراف لها الصوت العالي من العقل والحكمة، التي تكفل مد يد العون والسلام للآخر، وهذا دون أدنى شك لا يمنع من اللجوء لتحصين الذات على الصعيد الداخلي، عبر خلق التحالفات الاستراتيجية، التي في ظاهرها حميد، وباطنها لا تستعدي أحدا أيا كان قريبا أو بعيدا.

خلاصة القول، إن الاتفاقية السعودية الباكستانية، تمنح هذا الجزء من العالم مزيدا من الثقل السياسي والاقتصادي والاستراتيجي الذي ينعكس على تعمير الأرض وتنميتها.

إنه مشروع يمثل الصورة البيضاء في هذا العالم الملتهب. القضية ليست عسكرة. إنها رسالة سلام للآخر؛ تجسدت بعناق جبل طويق في الرياض.. ومرتفعات هيمالايا باكستان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق