فهم الشخصيات في المواقف القيادية.. المهارة التي تسبق القرار!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فهم الشخصيات في المواقف القيادية.. المهارة التي تسبق القرار!, اليوم الخميس 25 سبتمبر 2025 11:18 صباحاً


في كل بيئة عمل، لا يختلف اثنان أن القيادة ليست مجرد سلطة أو صلاحيات، بل هي مسؤولية مضاعفة تتعلق بالإنسان أولا قبل الأنظمة. كثيرا ما يختصر دور القائد في كفاءته على التخطيط والتنظيم، لكن الحقيقة أن أعظم اختبار للقائد هو في كيفية تعامله مع النفوس المختلفة داخل فريقه، خاصة عندما يواجه مواقف مفصلية تتطلب منه قراءة دقيقة للشخصيات لا تقل أهمية عن قراءة الأرقام أو اللوائح.

كثيرا ما يستند التوتر أو الفشل في الحوار إلى قراءة سطحية للطرف الآخر، والاعتماد فقط على كلماته أو ردود أفعاله. لكن عند دمج علم النفس في أدوات التواصل، يظهر لنا بوضوح أن فهم النمط النفسي للشخص هو مفتاح بناء علاقة صحية ومؤثرة. فمثلا، الشخصية القلقة تظهر غالبا تحفظا، لكنها في العمق تبحث عن الأمان. أما الشخصية المترددة، فقد تحتاج دعما داخليا لا توجيها خارجيا.

من خلال تجربتي في الإرشاد النفسي، أدركت أن التحول الحقيقي في الحوار لا يأتي من تغيير الكلام، بل من تعديل زاوية الفهم. حين نحسن قراءة لغة الجسد، نغوص في تعبيرات الوجه، ونستمع للصمت قبل الكلام، نحدث فرقا كبيرا في جودة التواصل. فالمستشار النفسي الذي يفهم شخصية المسترشد بدقة، يستطيع ملامسة نقاط القوة والضعف داخله، دون إصدار أحكام أو إسقاطات. الفهم النفسي لا يعني فقط معرفة «نوع الشخصية»، بل إدراك تجاربه السابقة، أنماط تفكيره، وحدوده العاطفية. وهذا ما يجعل عملية التفاوض - سواء كانت علاجية أو حياتية - أكثر واقعية وتعاطفا. فبدلا من توجيه الحديث، نتعلم كيف نبني «جسرا نفسيا» نعبر من خلاله إلى فهم مشترك.

هذا العمق النفسي يصبح أكثر وضوحا في المواقف القيادية. على سبيل المثال، حين يقود أحدهم مشروعا جديدا ويصطدم بمقاومة من الفريق، هناك من يفسر الموقف على أنه تمرد وظيفي، فيتجه مباشرة إلى العقاب. بينما القائد الذي يمتلك وعيا بالشخصيات، يدرك أن وراء المقاومة دوافع إنسانية: خوفا من المجهول، أو قلقا من فقدان المكانة، أو شعورا بعدم المشاركة في صنع القرار.

وهنا يختلف الأثر؛ فالأول يزيد الفجوة، والثاني يفتح باب الحوار ويخلق شراكة في التغيير.

وتتعدد الحالات النفسية التي يواجهها القائد داخل فريقه: فالشخصية النرجسية: تبدو واثقة وصاحبة حضور، لكنها في العمق تسعى باستمرار للإعجاب والاعتراف. التعامل معها يحتاج إلى موازنة بين منحها التقدير، دون الانجرار وراء رغبتها المستمرة في التصدر. أما الشخصية الانطوائية: قد تفهم خطأ على أنها سلبية، لكنها في الحقيقة تفضل التفكير العميق والعمل الفردي.

القائد الناجح يمنحها مساحة للإنجاز في صمت، ويشركها تدريجيا في الحوارات الجماعية. والشخصية الاندفاعية: تتخذ قرارات سريعة وتتمتع بحضور قوي، لكنها معرضة للأخطاء بسبب التسرع. هنا، يحتاج القائد إلى ضبط الإيقاع، وتشجيع التفكير الهادئ قبل التنفيذ. أما بالنسبة للشخصية الحساسة: تتأثر بسهولة بالنقد أو التهميش، وقد تفقد حماسها سريعا. التعامل معها يتطلب تشجيعا متواصلا، وصياغة الملاحظات بطريقة داعمة، تركز على التطوير لا اللوم.

حتى في مجال التحفيز، يظهر أثر فهم الشخصيات بوضوح. فالمكافأة الجماعية قد لا تحفز الجميع؛ بعضهم يبحث عن التقدير العلني، وآخرون يفضلون كلمة خاصة. بعضهم يتحمس للتحديات، بينما يهرب منها آخرون. من يوزع مفاتيح التحفيز وفق الفهم النفسي، يلهم كل فرد بالطريقة الأقرب إلى طبيعته.

ولعل ما يميز المرحلة التي نعيشها اليوم في المملكة، أن رؤية الخير 2030 أكدت أن بناء الإنسان لا يقل أهمية عن بناء النظام. فنجاح البرامج والمشروعات الطموحة يرتبط بقدرة القيادات على فهم احتياجات الأفراد، وتحفيز طاقاتهم، وإدارة اختلاف شخصياتهم بما يحقق الانسجام والفعالية. وهذا يعكس أن الاستثمار الحقيقي يبدأ من فهم الإنسان، ثم تمكينه.

القيادة الناجحة لا تتطلب صوتا قويا يفرض، بقدر ما تحتاج أذنا تصغي لما وراء الكلمات، وعينا تقرأ ما بين السطور، وقلبا يستشعر ما لا يقال. حينها يصبح القائد مرجعا يلجأ إليه الناس، لا مجرد مسؤول يتجنبونه. فالقرارات قد تنفذ، لكن الفهم هو الذي يزرع الثقة، ومن يفوز بالثقة، يفوز بالقلوب.. قبل المناصب.

DrFahadAbd@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق