نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل تقيد ضوابط هيئة تنظيم الإعلام الحرية.. أم تحمي الوعي الجمعي؟, اليوم الخميس 25 سبتمبر 2025 11:18 صباحاً
أصدرت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في مطلع هذا الأسبوع ضوابط لنشر المحتوى مما أثار نقاشا واسعا؛ فهناك من رحب بها ورآها ضرورية، وهناك من عارضها على استحياء بحجة أنها قد تحد من الحرية، لكن قبل أن نحكم، علينا أن نفهم: ما علاقة هذه الضوابط بالوعي الجمعي؟ وهل كان التدخل ضروريا؟
الوعي الجمعي هو ببساطة ما نتشاركه كمجتمع من أفكار وقيم ومعتقدات وسلوكيات، هو الذي يجعلنا نرى أمرا ما طبيعيا ومقبولا، بينما نرفض أمرا آخر ونعتبره غريبا، وقد عرفه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم بأنه «مجموعة المعتقدات والمشاعر المشتركة بين أفراد المجتمع والتي تشكل نظاما له حياة خاصة مستقلة عن حياة أفراد».
لكن كيف يتأثر هذا الوعي؟ هنا يبرز دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، التي لم تعد مجرد منصات شخصية، بل غدت من أقوى الأدوات القادرة على بث الأفكار وترسيخ السلوكيات، والوصول إلى جميع فئات المجتمع على اختلاف أطيافه، الأمر الذي يجعل ما يتكرر أمام أعيننا يوما بعد يوم يتسلل ببطء إلى عقولنا، ويعيد تشكيل قناعاتنا من حيث لا نشعر.
سأوضح الأمر أكثر: تخيل أن مجتمعك يرى ارتداء عصبة زرقاء أمرا غريبا ومرفوضا! في البداية سترفضه وتستنكره، لكنك إذا شاهدت يوما بعد يوم منشورات لأشخاص من مجتمعك يرتدون هذه العصبة، فإن الدماغ مع التكرار يستقبل هذه الصور بشكل غير واعٍ، فينشأ لديك شعور ضمني بأن ما تراه طبيعيا، وربما تجد نفسك مرتديا العصبة الزرقاء، وهذا ما يسميه العلماء أثر التعرض المتكرر، والذي أثبته الباحث روبرت زايونك عام 1968، حيث أوضح أن كثرة التعرض لشيء ما تجعله مألوفا، وبالتالي أكثر قبولا، حتى لو كان مرفوضا في البداية، وما يحدث هنا على مستوى الفرد بفعل التكرار، يتراكم أثره على مستوى المجتمع بأسره، ليعيد تشكيل ما نسميه بالوعي الجمعي.
لكن ماذا لو كانت هذه «العصبة الزرقاء» رمزا أو سلوكا يجرح قيمنا؟ هل نسلم بالأمر كما حدث في الإعلام الغربي مع ثقافة التسليع المفرط للجسد، والتي لا أود الخوض في تفاصيلها كثيرا، لكنها تظل مثالا صارخا على كيف يمكن للتكرار أن يغير وعي الناس؟ أم نترك الضغوط النفسية تنهش في شبابنا، الذين يعتادون يوميا مشاهدة حياة الرفاهية التي يظهر بها - وأحيانا يتصنعها - بعض المشاهير، بما يبدونه من مظاهر الثروة والملاءة المالية؟
من هنا ندرك أن الوعي الجمعي ليس حرية شخصية مطلقة، بل مسؤولية اجتماعية، لا يمكن أن تترك هذه القوة الهائلة (الإعلام) بلا ضوابط، وإلا تآكلت قيمنا تدريجيا من حيث لا نشعر، تماما كما لا يجوز لشخص أن يسكب السم في نهر يشرب منه الجميع، لا يجوز أن تترك منصات تؤثر على الجميع دون تنظيم يحمي المصلحة العامة.
ختاما، قيمنا الإسلامية وهويتنا الوطنية ليستا شعارات، بل هما الأساس الذي نحيا به ونستمد منه قوتنا، وحمايتهما واجب شرعي ووطني، لذلك، فإن ما قامت به الهيئة العامة لتنظيم الإعلام ليس قمعا ولا تضييقا، بل هو حماية لوعي المجتمع وصيانة لموروثه من الذوبان تحت دعوات حرية سطحية لا تفهم معنى الحرية الحقيقية، ويحمد لمن يقودون القرار أنهم يدركون أن الحرية بلا ضوابط ليست حرية، بل فوضى. نعم، قد تختلف الآراء حول التفاصيل، لكن في النهاية يبقى الأصل: حماية وعي المجتمع وصون قيمه أولى من إرضاء نزعات فردية، فالوعي الجمعي هو رأس مالنا الحقيقي، وإذا ضاع ضاعت هويتنا.
AbdullahAlhadia@
0 تعليق