في كل مناسبات وأفراح الوطن

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في كل مناسبات وأفراح الوطن, اليوم الاثنين 22 سبتمبر 2025 08:05 مساءً

أنا الوطن حين يتكلم، وأنا الصمت حين يشتد الحنين، ضمن تأملات فلسفية في عشق الأرض السعودية. في البدء، لم أكن سوى فكرة أنبتت جسدا، ثم اكتشفت أنني لست منفصلا عن الأرض التي حملتني، بل أنا امتداد جذرها، وطيب ثمرها، ظلها، صداها، وذاكرتها. السعودية ليست وطنا أعيش فيه، بل وطن يعيش فيّ، يتنفس من رئتي، ويكتب نفسه في خلايا دمي، ويغني طربا في صمت أفكاري. وطني الجبل والهضبة والوادي والسهل: كبرياء لا ينحني، وأنا عزة لا تنكسر، ولا تلين إلا بالحب، أتشكل بطول الصبر، وأعلو بالكرامة. جبال السروات وطويق وأجا وسلمى ليست مجرد تضاريس، بل هي فلسفة وجود، درس في الثبات، في العلو دون خيلاء، شموخ لا يحتاج صراخا لتثبيته.

حين أقارن شموخها أجدني ثابتا، راسخا، لا تهزني الرياح، ولا يخدعني السراب. رمالها، كثبانها، تربتها الطيبة هي التواضع الذي يحمل التاريخ، وأنا ذرة من بين رمالها، أحمل ذاكرة الأزمان، قوافل الأجداد مرت فوقي بأقدام حافية حفرت في تكويني قصص عزة لا تمل ولا تنسى.

الطين بصمة الخلود تحتفظ بكل الأحافير والمواقف، وأنا كذلك، أتواضع، لكنني أحمل في داخلي تاريخا لا يمحى، وجذورا لا تقتلع.

صورة المطر الصيفي، رجاء خضرة لا تخيب، وأنا نبتة ترتوي من قطرات المطر، يأتي حين يظن الجميع أن السحاب قد سافر.

لكنه يأتي، بوعد ربيعي، وحب لا ينسى.

وأنا كذلك، أعيش على برق الرجاء، على الحب الذي لا يخيب، على الإيمان بأن الوطن لا يخذل أبناءه، حتى في أقسى رياح المواسم.

صورة خصوبة البرية، تنبت معاني الحياة، وأنا تربة بركة، أحتضن البذور، أدللها، أمنحها الحياة والقوة.

في داخلي قدرة على الصبر، على الإنبات، وتحويل رماد الموت إلى ولادة، فالوطن ليس فقط المسكن، بل مشاعر تمنحنا القدرة على أن نحتضن الآخرين، مهما اختلفوا، بهم نثمر، وحولهم نضيء.

صورة الجينات، براعم حب لا ينسى، كل جينة في كياني تحكي عن سعودية متمكنة في جوفي، وحب يذكر بالخير، عن إخلاص لا يشترى، عن وفاء لا يعلم. حب لا يحتاج ضجيج كلمات ومبالغة ألحان، فهو يتحدث بوعيي حتى لو سكت لساني، ويكتب حتى لو جفت أقلامي. صورة تجدها في نظرتي، مظهري، مشيتي، طريقتي في الحزن والفرح، في اختياري للكلمات، في صمتي حين يكون الكلام خيانة. صورة السيف والدرع، الدفاع بلا تردد، أنا سيف عزتها في الشدائد، ودرع صدرها حين تختبر حدة المسافات. لا أتردد، لا أتراجع، لأنني لا أدافع عن أرض فقط، بل عن عرضي، كياني، ذريتي، عن كل ما يجعلني خير أنا. الوطن ليس خارجا عني، بل هو أنا، بكل ما في كينونتي من حب ووعي ويقين.

صورة الرحيل، فأنا التقاوي لغرس لا يموت، وحتى لو رحلت، أجدني أنغرس فيها، أتحلل، أصبح جزءا من ذراتها، من شاهق فخارها، من صورة ستكتمل بمن سيأتون بعدي. ألتقط شعلة الحب، أقبلها، أمررها، لأن الوطن لا يختصر في جيل، كونه سلسلة تتابع طيبة، تعرف قدرها، وفائدتها، وتحيا وتموت لتعلي معانيه بكل الأصعدة والأجيال، فالوطن ليس لحظة، بل امتداد لا ينتهي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق